الأربعاء، 31 أغسطس 2016

أرملة (ق ق ج)

أرملة
توفي زوجها وهي لم تتخط الثلاثين، تاركاً لها أربعة من الأطفال، احتضنتهم بخوف متحدية المجتمع، وعروض الزواج، رفضت أن تتخلى عنهم، بيديها أطعمتهم من خبز عمرها، حتى كبروا، نضج فيهم طموح الرحيل، ظلت تهدهدهم بيدي قلبها، تغلف أرواحهم بدعائها الخفي، تفرقوا يبحثون عن نجاحاتهم، وهي تظل كعبة أحزانهم، يحجون إليها كلما أوجعتهم الحياة، ينامون ملتحفين بأحلامهم، تسهر يقرصها برد الوحدة، وهي جائعة لقضمة أمل بلقائهم، لكنها تؤثر الصمت على الشكوى، في ليلة صيفية، كانت تجلس بالقرب من باب كوخها، اقتربت حفيدتها ذات الثماني سنوات، لتجلس بجوارها تتأمل أشعة القمرالتي تتغازلها بين الغيوم ..
سألتها:
- لماذا تفضلين الوحدة يا جدتي؟
- لست وحيدة يا صغيرتي، فأنتِ معي
- لكني أقصد أنك دائما الجلوس وحيدة كل ليلة، لماذا لا تأتين معنا؟
- لأني هنا أنتظر جدك كل ليلة، ليطل علي من جنته
- لماذا لم أره يوماً؟
- كيف لا ترينه وهو هناك بين الغيوم؟ - مشيرة للقمر- تبتسم كأنها تراه فعلاً
- هكذا تقول أمي دائما، أنكِ سترحيلن إلى حيث جدي قريبا، لكني لا أريدك أن ترحلي فأنا أحبكِ
تتدرحرج الدمعة ألماً فوق خدها، بينما تخنق الغصة قلبها الذي ترمل مبكرا ولم ينفض يده من العطاء، روحها تتجه لله تسأله صبراً حتى يحين اللقاء.

هبة جودة

الاثنين، 22 أغسطس 2016

الاعتراف الأخير/ مقطع من رواية


افعل الحياة، بينما كل شيء يقتلك.


لكل روح في هذه الحياة عالمها الخاص بين العوالم الشائعة والمختلفة، وكان لي عالمي الذي لم يرق للبعض، عالم يشبه غيمة كثيفة القطن، ناصعة البياض، ناعمة الملمس، أرتع فوقها حافية من أقنعتي المشوهة، غيمة اتخذتها عالماً خاصاً لأنها تشبهني إلى حد كبير، لها روح خفيفة، تنساب مع الرياح، وتنتشي بالنسمات، لكنها تغضب في وجه العواصف، وتتمرد أمام الريح القاسية، غيمتي التي تحتفي بي وبثلاثة رفاق رائعين .. رفيقي الأول كان الرسم الذي تعرفت عليه في سن مبكرة جداً، عندما وجدت نفسي ألوذ للصمت كلما كان الكلام مجرد عبث، رأيتها في قوس قزح، أغرمت بها في ألوان فساتيني، ولعبت بها في قطع الألعاب التي بنيت بها قصور أحلام طفولتي، رغبتي الأولى كانت جدار أبيض، شعرت أنه أبكماً فرسمت عليه الكلام صوراً، وكانت العصى هي الرد الأول، آلمتني يدي جدا، ولأني العنيدة، عشقت الرسم أكثر، وكرهت الجدار جداً، فبحثت عن بديلٍ أبكم، وكان هو الورق الأبيض.
الرفيقة الثانية كانت الموسيقى، أظنني على علاقة وطيدة بها منذ الجنّة الأولى، حيث نبض أمي مجاوراً لمضغتي التي تشكلت في رحمها، طربت لها وكنت أداعب الحبل السري بينما الماء الذي يغري جسدي الطري للرقص يشارك في اللحن بكامل أناقته الطبيعية، فكان لصوت الماء ونبض أمي أول حكاية مع رفيقتي الموسيقى، لم ينتقد أحد استضافتي لرفيقتي الغالية تلك إلا بعد أن تجاوزت العشرين عام، وظنوا أن الانتقاد سوف يجعلني أهجرها، لكنه دفعني للتعلق بها أكثر حتى بعد أن فرقونا بحجة الحرام والحلال، لكن لا زال اللحن إن مر على قلبي أثمله حتى قام طرباً ينبض كما دفٍ يشاركه النشوة .. وإن مررت أنا به لجأت إليه كمن هرب من حرب همجية وترك كل شيء وإلتجأ إلى صدره الدافئ لأحتمي من لوث العنف.
رفيقتي الثالثة هي الكتابة، اعتنقت الكتابة منذ حط هديل الحمام فوق لساني، فنغمت مناغاتي ليضحك وجه أمي، استطبت نكهتها من الحرف الأول في أبجد هوز .. وحين داعبت الصور مخيلتي الخصبة، ثم تمادى توقي لرسمها، فزفت الحروف أناشيد عرسها من فم القلم على مساحة الورقة ..
نعم فطنتها منذ التباس القلم بين أناملي الصغيرة، منذ تشكل أول حرف خجول على السطر الأول في مرحلة جديدة من حياتي اسمها المدرسة الابتدائية
كتبت منذ تذوقت نكهة الجلالة في اللغة العربية بين شفتي، عشقت مادة التعبير، فأحب جميع المدرسين والمدرسات في كل المراحل أسلوبي السلسل والكثير منهم شجعوني، كما دفعوني لأصير جزءاً من نسيج اللغة العربية العريقة ..
كتبت النبضة الأولى التي نطق فيها القلب بالحب خفقاته، كتبت كثيرا حين امتلأت بالأمل، ولما تضخمت بالألم .. وعندما أسال الشوق دمي كتبت، ولحظة قررت الكتابة وحين لم أقرر، كتبت .. أعجبني الأسر فيها، وارتضيت خضوعي لها .. لأنها تحررني من كل القيود .. فيما تمارس دكتاتوريتها، تعطني مطلق الحرية في التحليق خارج السرب وفق ما يجذبني الإبداع ..
اليوم بت أحتاج للمزيد من جرعات الصبر، لقرار يُتخذ بمنتهى الحزم ضد التردد، لنفي الخوف المجبول بتجارب الماضي، من أسطورة كذبوا بها علينا، يقتادني الحنين لبراعة الحرفة الأولى التي امتهنها القلب، لأبجدية الحروف التي غازلها العقل، للحبو ثم المشي، فالهرولة، فالركض، والجري، ثم التحليق، للخروج من نطاق الأرض، لأهزم الجاذبية، فأتخطى الزمن، أتوق لانعتاق المزيد من أفكاري التي سجنتها هشاشة الآراء، ورغبة الدخلاء لحبسها في جمجمة تتفاعل فيها كمياء العاطفة والمنطق، تتفجر خيالاً بالتمرد، ثم تستسلم لانغماس القلم في صدر الورقة، لينزف السيف القاتل المنغرس في جسد قتيله ..
أن تكتب يعني أن تعيش حالة من حالات الحب الأزلي، المتمرد، الشامخ، والأنيق، أن تقف للعالم حاملا مرآة تسطع بانعكاسات الواقع بفن التعبير عنا كبشر، سُخرت لهم الحياة، فسخِرت من استسلامهم لدنياها، إن الكتابة فعل حضاري جدا، حرب سلمية ضد الجهل، لا يُقتل فيها أحد سوى من لم يحضرها، أدواتها إنسانية، إنها الحرية داخل الزنازين، الطيران بغير أجنحة، هي تفتح زهرة في الخريف، دهشة طفل أمام لعبته الجديدة، رقصة فراشة على وقع مغازلة الضوء، مفتاح التأمل في الحياة، رحلة لإكتشاف الذات، مرسى النشوة الروحية، والخلود في أجلِّ معانيه، حيث مهما كان الرحيل موجعاً، تبقى الآثار الجميلة حاضرة بقوة.
لذلك إني ألملم شتاتي بالكتابة، أرتق جراحي بها، أتطهر، أهرب، وأواجه بها أيضاً، وهي تنتصر لي، لأنها الوحيدة التي استمرت معي إلى اليوم دون الجميع.

هبة جودة

الجمعة، 12 أغسطس 2016

لا تسمحي لأحد أن يسرق حلمك أو يقتل طموحك - أجمل إعلان رأيته







فن صناعة الإعلانات .. إنه الفن الذي يقدم رسالة إيجابية بين طياته .. ليست إعلانات مقززة تتعامل مع المشاهد أنه فقط مستهدف للإيقاع به فريسة للتورط بطلب السلعة .. انظروا كيف يُصاغ الإعلان بحيث يُضفي إيجابية على فكر المجتمع، ويحفز أفراده على التفاعل والتحدي من أجل تحقيق الطموح